أخبار 24/24مجتمع

رقمنة طلبات “فيزا شنغن” تقطع الطريق على السماسرة وتصحح الأخطاء السابقة

مسار تشريعي طويل داخل أجهزة التكتل الأوروبي سيدخل حيز التنفيذ


بعد طول انتظار، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو رقمنة مسار طلب تأشيرة فضاء “شنغن” الأوروبي، قريباً، إذ سيتمكّن طالبوها من إيداع طلباتهم على “منصة إلكترونية” ستُحدث لهذا الغرض، بموجب تعديل تبنّاه، يوم الإثنين 13 نونبر، وزراء الخارجية في دول الاتحاد الـ27.

فضاء “شنغن” الذي يضم 23 من دول الاتحاد الـ27 (بالإضافة إلى سويسرا والنرويج وآيسلندا وليشتنشتاين) يتلقى طلبات التأشيرة من المغاربة باعتبار بلدهم “الخامس ضمن أكثر دول العالم طلباً للحصول على تأشيرات شنغن، بعد الاتحاد الروسي وتركيا وأوكرانيا والسعودية، إلا أنه يسجّل أعلى معدّل للرّفض من بين هذه البلدان الخمسة”، وفق بيانات سابقة نشرها الموقع المختص “فيزا شينغن” مطلع 2023.

وفضلًا عن تبسيط المساطر فإن هذا التحول نحو رقمنة العملية من المرتقب أن يُلغي ضرورة الحصول على تأشيرة لوضع “ملصق” على جواز السفر، ما يعني عدم الحاجة إلى تخصيص مواعيد لدى القنصليات أو المكاتب التي تقدم هذه الخدمة؛ وهو الموضوع الذي تخلَّلته في الحالة المغربية سجالات عديدة حدّ مطالب حقوقية ومدنية بالحد من “إشكالية سماسرة المواعيد وتأخرها”.

هذا التغيير جاء بعد مسار تشريعي طويل داخل أجهزة التكتل الأوروبي سيدخل حيز التنفيذ عقب الانتهاء من العمل الفني على منصة التأشيرة، المتوقع أن يستغرق أشهرا، قبل نشره في “الجريدة الإدارية” للاتحاد الأوروبي، قريباً.

وأوضح وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراند مارلسكا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أن نظام التأشيرة الإلكتروني “سيسهّل عملية تقديم الطلب بالنسبة إلى المسافرين”.

وفور بدء العمل بالنظام الجديد سيتمكن الراغبون في السفر لفترة قصيرة، عبر منصة إلكترونية مخصصة، من إجراء “تحميل وثائق وبيانات ونسخ إلكترونية لمستنداتهم المتعلقة بالسفر، مع معلومات بيومترية ودفع الرسوم”. وفي حال الموافقة على الطلب بعد التأكد من قاعدة البيانات يتلقى مقدم الطلب رمزا مشفّراً يمكن طباعته أو تخزينه على جهاز.

وتشير تفاصيل التعديل في مسارات طلب “فيزا شنغن” إلى أنه “قد يتعيّن على بعض مقدمي طلب على هذا النوع من التأشيرات للمرة الأولى، أو حاملي جوازات سفر جديدة، أو من لديهم بيانات بيومترية معدلة، الحضور إلى الموعد شخصياً”.

“ما وراء إجراء مسطري تقني…”
تعليقاً على الموضوع، أكد صبري الحو، الخبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة، أن “رقمنة طلبات التأشيرة هي بمثابة الإجراء التقني المسطري الذي يتجاوز مفاهيم الرقمنة والتبسيط والتسهيل إلى محاولة تحقيق غايات عديدة، بعضها سوسيوثقافي في علاقة أوروبا وصورتها (خاصة فرنسا) لدى جزء كبير من مواطني القارة الإفريقية”.

وسجل الحو في إفادات تحليلية لـلجريدة أنه “التعديل يهدف إلى تبسيط المساطر ورقمنة الإدارة باعتبارها أولوية أوروبية ضمن السياسات المستقبلية للاتحاد”، قبل أن يستدرك بأنه يجب أن يُرى الأمر أيضاً “من زاوية التراجع عن سابق القيود التي اتخذتها فرنسا ضد المغاربة ومواطني دول شمال إفريقيا، مثلا في مسار منح تأشيرة الدخول إليها”، وقال إن “باريس قد تكون ضغطت على دول الاتحاد في هذا الصدد حفاظاً على ماء وجهها”.

“تحصيل حاصل”
وتابع المتحدث شارحا: “بغض النظر عن أن تقنين الحصول على الفيزا ومساطر طلبها قد يكون إلكترونياً أو مباشرا أو عبر وسيط، وبغض النظر عن الوسيلة التي ستصير رقمية، فإن هذا الإجراء تحصيل حاصل”، قبل أن يتساءل الخبير في قضايا الهجرة: “هل هو تخفيف القيود والإجراءات والشروط أمْ إن التغيير يمس فقط الآلية والوسيلة لطلبات منح تأشيرة شنغن؟”.

وفي تقدير المحامي الخبير في القانون الدولي فإن “اعتماد وزراء خارجية دول أوروبا الفيزا الرقمية لشنغن جاء نتيجة سيرورة عمل اتسمت بالضغط، في محاولة من فرنسا لوقف نزيف تدهور الثقة والعلاقات مع عدد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، ولاسيما في شمال القارة، بعد فقدان نفوذها في الساحل والغرب الإفريقييْن”، ولفت إلى أن “الحضور والتمدد الأوروبي -والفرنسي خاصة- كان متجسداً في شكل علاقات تبعية استعمارية قديمة، وكذا علاقات اجتماعية ثقافية بدأت تختل موازينها لصالح دول وقوى أخرى”، ما يمكن معه، بحسبه، تفسير اعتماد قرار رقمنة مساطر “تأشيرة شنغن”، بعد فقدان الاتحاد الأوروبي عموما وفرنسا خصوصاً الرصيد الشعبي والرسمي من الثقة في إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية.

وفي معرض حديثه للجريدة، لم يفُت الخبير المغربي في قضايا الهجرة الدولية أن يذكّر بأن “قرار الجمهورية الفرنسية تقليص عدد التأشيرات الممنوحة وتقييد منحها لمواطني 3 دول بشمال إفريقيا (منها المغرب) جرّ عليها في العامين الماضيين مجموعة من الانتقادات”، رابطاً بين سياق “اعتماد قرار الرقمنة من طرف وزراء الخارجية بالاتحاد الأوروبي” و”خرجة إعلامية لسفير فرنسا بالمغرب أعلن فيها أن القيود التي كانت مفروضة على المغاربة لم يعد لها وجود”.

“إصلاح للخطأ ورجوع إلى الصواب”
من جانبه، يرى محمد النشناش، فاعل حقوقي مغربي، في القرارات والخرجات الأوروبية الأخيرة “مؤشراً واضحاً على تراجع الاتحاد الأوروبي، لاسيما فرنسا، عن قرارات تقييدية سابقة همت مساطر الطلبات وعدد الحاصلين على ‘فيزا شنغن’”.

وقال النشناش، الذي شغل مهمة الرئيس الأسبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح للجريدة، إن “الفيزا ومنحها قرارٌ سيادي حسب ما أكده المغرب مرارا، معتبرا أنه لم ولن يتوسّل ذلك من الأوروبيين”، وزاد أن “ما جرى من رقمنة المساطر وتسريعها بمثابة اعتراف بالخطيئة وإصلاح لها”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “تقييد الحصول على الفيزا مع جملة العراقيل التي كانت شجَّعَ شبكات سماسرة الفيزا في مراكز طلب التأشيرة في المغرب ودول أخرى”، معتبرا أن “المغاربة مثل مواطني دول عديدة ذهبوا ضحايا هذه التعسفات في السنين الماضية، منهم طلبة وطالبو علاج وسيّاح لزيارات قصيرة أو لأغراض تجارية، وذلك بعدما تعوّدوا على تعامل عادي مع القنصليات”.

ولفت الحقوقي المغربي إلى أن “التقييد لم يؤت أكله، بل دفع عددا كبيرا من المغاربة طالبي تأشيرة فضاء شنغن إلى اللجوء إلى قنصليات دول أخرى، لأنهم رأوا فيها تعاملا مختلفا”.

وذكر المصرح ذاته أن “هدف دول الاتحاد الأوروبي يتركز -حاليا- على جهود محاربة الهجرة غير الشرعية وغير القانونية، وهذا يخلق مشاكل جمة لها مع طرق متعددة من ليبيا وجزر الكناري والسنغال وموريتانيا…”، إلا أن ذلك “لا يمنع من تسهيلها مساطر الحصول على التأشيرة كوسيلة للتقنين”، وختم بالإشادة بـ قرار “الفيزا الرقمية لشنغن”، معتبرا أنه “رجوع للصواب وتصحيح لخطأ سابق بعدما ضلّت السياسات الأوروبية للهجرة وتقنينها أهدافها الإنسانية النبيلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

يُرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني.

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.