
على الرغم من بدء الدولة في تنفيذ برنامج الحماية الاجتماعية، الذي يشمل جميع المواطنين بالتغطية الصحية والمعاشات بعد سن التقاعد، فإن بعض فئات المواطنين لم تستفد بعد من هذا البرنامج بسبب عدم وعيهم بشروط الاستفادة من الخدمات التي يقدمها.
فوفقًا لدراسة حول “معضلة الحماية الاجتماعية لدى العمالة غير المهيكلة بالمغرب”،و التي أُجريت على عيّنة من الباعة المتجولين في مدينة تمارة، تبيّن أن هذه الفئة لا تستفيد من الخدمات الصحية ولا من برامج الدعم الاجتماعي، ولم تنخرط بشكل كبير في الورش الخاصة بالحماية الاجتماعية بسبب عدم فهمها للشروط الواجب اتباعها.
شهادات الباعة المتجولين الذين شملتهم الدراسة تعكس هذا الواقع، فعلى سبيل المثال، أمينة (64 عامًا)، التي انتقلت من نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى النظام الجديد للتغطية الصحية، لم تستفد منه بعد، على الرغم من وجود ابنة لديها حالة إعاقة وابنة أخرى تعاني من السرطان.
حيث أن أمينة تقوم بشراء الأدوية لابنتيها ولنفسها، وتجري فحوصات السكري والكلى، لكنها لم تستفد من نظام التغطية الصحية الإجبارية عن المرض “AMO” بسبب عدم وعيها بكيفية الاستفادة من الخدمات الجديدة.
ففي الدراسة، التي أجراها الحافظ النويني، دكتور في العلوم السياسية والقانون الدولي، وإسماعيل آيت باسو، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس الرباط، أشارت إلى تطور في التغطية الصحية في المغرب خلال العقد الماضي، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة.
لكن و على الرغم من استبدال نظام “راميد” بنظام التأمين الصحي الشامل، تشير الدراسة إلى أن النظام الجديد رغم كونه “عادل وشامل، لكن تفاصيل تطبيقه تظهر صورة معقدة أكثر”، مما يؤكد أن “هناك مشاكل في تنفيذ وتطبيق هذا النظام”.
وذكرت الدراسة أن الشروط الجديدة للاستفادة من التغطية الصحية الشاملة، توجب تسجيل جميع أفراد الأسرة،و جعلت مؤشّر تقييم مدى حاجة الفرد إلى الاستفادة مرتفعا مقارنة بنظام “راميد”، وهو ما حذا بعدد من الباعة المتجولين إلى الانتظار لاكتشاف تجارب أقربائهم وأصدقائهم من النظام الجديد، و”الوقوف على مدى جدية المشروع في دعمهم فيما يتعلق بالتغطية الصحية”.
الدكتور سعد الدين إيكمان، الذي تحدث مع المعدين للدراسة، أشار إلى أن “مشكلة عدم الثقة” هي السبب وراء تردد بعض الباعة المتجولين في التسجيل في النظام الجديد. واقترح أن “الدولة تقوم بالتواصل مع هذه الفئة وتوضيح هذا النظام بلغات بسيطة مثل الأمازيغية والدارجة، وتنظيم حملات توعية وزيارات ميدانية”.
أوضح أن تنظيم حملات توعية “سيساعد في بناء الثقة وتوضيح الرؤية لدى هؤلاء الباعة، خاصة مع وجود نسبة كبيرة منهم ليس لديها تعليم كافٍ. وهذا مهم خاصةً مع تجارب سلبية سابقة لديهم مع المستشفيات والإدارات الحكومية، وهو ما يؤثر على اعتقاداتهم وسلوكهم.”
بحسب تقرير للبنك الدولي الصادر في 2022، ارتفعت نسبة العمالة غير المهيكلة في المغرب إلى 77 في المائة من إجمالي القوى العاملة. هذه الفئة تفتقر للمساهمات المتعلقة بالضمان الاجتماعي، مثل المعاشات وتغطية مخاطر الشغل والمرض.
كما أن تقديرات منظمة العمل الدولية تشير إلى نسبة 80 في المائة للعمالة غير مهيكلة في المغرب، مما يشكل عائقًا للتطور الاقتصادي بالمغرب بسبب عدم استفادت الدولة من العائدات الضريبية وتسبب في خسائر مالية تقدر بـ40 مليار درهم سنة 2014، حسب تقدير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
هناك عوائق أخرى تمنع فئات كبيرة من الباعة المتجولين من الانخراط في نظام التأمين الإجباري عن المرض، وتتعلق بعدم القدرة على دفع المساهمات. على سبيل المثال، عبد الفتاح (35 عامًا) بدأ إجراءات التسجيل ولكن توقف بعدما علم بأنه سيطالب بأداء مساهمة شهرية بـ 100 درهم، مما أدى إلى تراجعه بسبب عدم قدرته على الدفع.
و لحل هذه المشكلة، وافقت الحكومة على مرسوم يلغي الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لنظام التأمين الإجباري عن المرض، بسبب عدم قدرة فئات مختلفة على دفع هذه المساهمات.